كنت قد تحدثت في مقالي السابق بعنوان (الإبداع والإنتاج وجهان لعملة واحدة) عن حاجتنا إلى مشاريع نوعية إنتاجية, تسهم في زيادة الإنتاج المحلي وبجودة ذات نوعية عالية.
ما لفت انتباهي في الآونة الأخيرة, تكثيف جلالة الملك لنشاطاته الميدانية, سواء بزيارته لأشخاص من الرعيل الأول خدموا بلادهم بإخلاص، وذلك تقديرا لجهودهم التي بذلوها في خدمة وطنهم.. وكذلك جولاته الميدانية لمختلف مؤسسات الدولة, للاطلاع عن كثب على واقع الخدمات التي تقدم للمواطنين.
المتتبع لنشاطات الملك يلمس جيدا أن جلالته يخصص حيزا كبيرا من وقته لزيارة مؤسسات أو أشخاص يمتلكون مشاريع إنتاجية ذات نوعية مميزة وفريدة، وقد كان هناك تركيز من قبل جلالته على المشاريع التي تتسم بالتميز اللانمطي التقليدي, ولديها إنتاج نوعي بمواصفات عالية الجودة. وما لفت انتباهي ايضاً في هذه الزيارات, تركيز جلالته على المشاريع النوعية في القطاع الزراعي, كما فعل قبل أيام بزيارته لمنطقة المدورة في محافظة معان لمشروع زراعة (25) ألف دونم, ومشاريع لتربية المواشي وتصنيع الألبان, كذلك زيارته للأغوار للاطلاع على مشاري? زراعية لأشخاص يقومون باستخدام أفضل الوسائل العلمية في إنتاج المحاصيل الزراعية بكافة أنواعها.
مما لا شك فيه أن هذه الزيارات الملكية ليست زيارات روتينية أو مجاملة, بل هي مقصودة, فجلالته يوجه رسالة وإشارات واضحة للجهات الرسمية والمواطنين, بأننا باستغلال قدراتنا ومواردنا الذاتية للاستثمار في القطاع الزراعي في الأردن بشكل صحيح, وإذا ما تم الاهتمام به بشكل علمي ومدروس, فإننا وكما قال جلالته أثناء تلك الزيارات, لا بد أن يكون لدينا خارطة زراعية, تسهم في تعزيز الأمن الغذائي الاستراتيجي للمملكة, لتلبية حاجات المواطن.
وقد شدد جلالته على عنصر الإبداع في إضافة أصناف زراعية جديدة بجودة عالية, وبأقل التكاليف الممكنة. وفي الحقيقة فإن جلالة الملك يعي أن الزيادة المضطردة في تعداد سكان العالم, وانحسار الأراضي الزراعية, إما بسبب التمدد العمراني أو لأسباب طبيعية, مثل التغيرات المناخية, في حين أن هناك بالمقابل زيادة بالطلب على الغذاء في جميع دول العالم, فإن القطاع الزراعي بالأردن بإمكانه أن يكون رائدا لكافة القطاعات الاقتصادية في الاردن, (نفط الاردن) ويلعب دورا مهما في دعم الاقتصاد الوطني, بما يمتلكه من إمكانيات وكفاءات علمية اذا ?ا تم استثمارها بالشكل الصحيح, ومنافساَ للمنتجات الخارجية وبجودة عالية, وكذلك سوف يسهم الاستثمار في هذا القطاع بتخفيف حدة البطالة بين الشباب..
وفي هذا المضمار لا بد من الاستفادة من التجربة المصرية التي سمحت للشباب باستثمار الأراضي الزراعية, من خلال تأسيس شركات مساهمة بين الشباب الواعي المتحمس, على أن تستخدم أفضل الوسائل الحديثة بالزراعة والري, ومن ثم تمليكهم تلك الأراضي عن طريق الأسهم بعد مدة زمنية.
والحقيقة أننا بهذا نستطيع أن نسهم بتأسيس جيل جديد من رجال الأعمال الزراعيين, وأن نتوسع ونرتقِي بهذا القطاع الواعد.
وفي النهاية أطالب ليس من الحكومة فقط, بل من جميع الشباب التقاط الرسائل والإشارات الملكية (بالتشمير عن أياديهم), وتوجيه طاقاتهم نحو الاستثمار في القطاع الزراعي.
أستاذ القانون الدولي العام